ورقات ثائر (( 1))
خلوا الشهيد مسربلا بثيابه خلوه بالأرض التي تدري ما به
مهداة إلى روح الشهيد محمد إبراهيم من
كفرعويد الذي مر موكبه في مساء أربعاء حزين ومضى نحو البعيد .. البعيد نحو سماء
أخرى كي تظله .. وحلم كي يظلنا ,
حنظلة من بلد المليار شهيد وشهيد
في خاصرة الزمان ثمة ورقة أخرى , تقول أن
الرحيل اليوم لم يعد يشبه أي رحيل , وأنه ثمة روح لكائن يحمل كل هذه البشارات , لأنه يلون الفجر القزحي بروحه .. بأمانيه
التي تركها تطارد شبح غربة الوقت .. غربة الأمل الشريد فينا , ومضى مثل أعمار
الأقحوان .. مثل تراتيل الأنبياء قرب صومعة الحق والحقيقة , حالما وشريدا وشهيدا .
ماذا بقي منك كي تقول كل أمانيك وتدعوها إلى
حفلة العرس الذي هو عرسك ؟ في حفلة لن
تحضرها إلا مسجى , فيما كل الوريقات والذكريات يختصرها دفتر مدرسي لازال نديا
بأنامل الطفولة , بحثا عن ذاك التلميذ المشاكس , والذي كان يغمر كل الجداران
بخربشاته , بقايا ذكريات لا أكثر تحضر عند بابك اليوم , أيها الشهيد المسربل
بالأماني برفقة سطر عمر لم يكتمل .
كانت الصباحات تتدافع اليوم مثل غزلان شريدة ,
كي تعيد مسيرة الوقت على بابك , وأنت المسربل بكل هذه الجراح , لا تلقي لدموع أمك
.. لآهات أبيك .. للأسى الملقى على وجوه أخوتك العشر في مسيرة لن تكتمل , ومشاوير
لن تقطعها معهم , وحدك هنا في هذا العرس صامت كما الرهبان في صوامعهم .. كما
الأقمار في سماواتها , ولا شيء يحرك سكون الليل إلا صرخات من جاء ليحي عرس الشهادة
:
عرشك يا شهيد هنا , عند بقايا الندى المعطر
للصباح , فلماذا أفردت جناحيك للرحيل فيما لازالت الأماني ندية تنتظر أن تكون معها
؟ أن تلون الوجود بنضرة أخرى , في كتاب كانت تحلم الأم أن يكون لها قرآن وحياة
وزهرة لن تنسى بعد ذبول ذلك العمر الطويل , أزهارها الأحد عشر .. أنبياءها الذين
كبروا على حلم قديم .. قديم , وكنت يوسف فيه , ولم يكونوا هم غير ورثة ذاك الزمان
الرث في مقل الطفولة .
باعدت بين أستار الوقت , وصرخت بهم تريد
أن لا يكون عرسك مثل كل الأعراس القديمة , ترفض أن تتخذ من القيود ملاعبا لحفلتك
اليتيمة ,, أغنية أخرى يا أم أحتاجها كي أراك كما كنت تحلمين بأن تتوجي هذا العرس
بزغاريدك , ألم تخبري ولدك منذ شهور أنك ستجعلين من عرسه عرسا لا يتكرر ؟! ها هو
ولدك عاد إليك كي يراك في كل الأمهات , فهاتي شيئا من تلك القداسة في محراب أمومتك
, فأنا أحتاجها كي أمضي بعيدا عن محراب أمانيك راحلا نحو سماوات أخرى .. أحتاجها
ليس لأنه عرسي وحدي , بل لأنني أرى عرسي يتكرر كل صباح فيك أماه .. فيهم أخوتي ..
فيك أبتاه كل جرح ويقين , أقيموا بهجة أحلامكم قرب بابي كي أحي من جديد في كل
سنبلة تموزية الهوى كي أولد عبركم , ومن خلال كل الكتب المقمرة بكم , حاضرا هنا في
أناشيد الطفولة , التي لم تبتعد عني ولم تولي عن أقاح العمر بعيدا .
اليوم يرسم الفجر أحجية أخرى , فيما الأهالي
يودعون الشهيد وثمة وشاح غربة وأسى عند كل باب , وثمة أمنية أن لا يأتي اليوم
الجديد بموكب آخر لشهيد يعلق عمره على مشانق الوطن والوقت , كي يكون رقما منسيا في
صباحات باتت تفقد ذاكرتها , وفي قنوات باتت تلوك أخبار الموت مثل منشور صباحي مقيت
مكرر للمرة الألف , فيما المذيع أو المذيعة ينثرون كلماتهم كواجب ثقيل ويمضون بعدها خلف الكواليس , يبحثون
بين رفاقهم عن نكات جديدة يطفئون بها يومهم الكئيب
كتائب الفتح المبين